القائمة الرئيسية

الصفحات

 


بسم الله الرحمن الرحيم

الاقتصاد الحضري

أولا: وعد الله بالبركة

يقول الله تعالى في سورة الأعراف: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)"

وتتحدث هذه الآيات عن الذين يعيشون حياتهم بعيدا عن الحق والواجب، وما يهمهم هو ما يجنونه من المال، والأولى بهم الإيمان والتقوى، ومن الإيمان التصديق بما هو نافع حقا، ومن التقوى أن يتجنب الرجل طريق السفهاء، فهناك من الوظائف التي يتبناها بعض الناس ما يدعو للاستغراب بسبب سطحيتها، وهم لا يسعون أن يكون هناك معنًى لحياتهم وجدية في عملهم.

ويعد الله عباده الشاكرين أو المؤمنين المتقين بأن يفتح عليهم بركات من السماء والأرض، فلا يقولَنّ قائل إن طريق الجدّ قليل الربح، فلقد وعد الله الصادقين بالبركة الواسعة، وليس هناك حلا سحريا للغنى، ومن يسعى للغنى دون تقوى الله فقد يقع في الحرام أو الشبهات، ولكن الأصل أن الذي يعمل بالطاعة هو من يضاعف الله تعالى له، وأن من يعمل بالمعصية فهو في شقاء بها وألم من مقارفتها.

وأهل القرى المنذرون بالعذاب قد تجد أن أحوالهم تدور بين أمرين اثنين، أولهما: سكرهم وفسقهم في ملاهيهم بالليل، فينذرهم الله بالعذاب ينزل عليهم بالليل أثناء نومهم، وثانيهما؛ انغماسهم في سفههم وتفاهة أعمالهم بالضحى، وهذا هو اللعب، وقال "الضحى" لأن طول سهرهم في غَيِّهم يؤخرهم عن الاستيقاظ باكرا، وفي النهاية ينذرهم الله مكره سبحانه وتعالى، فربما لن تفشل أعمالهم وحسب، بل وسيتدمر كل ما في حياتهم.

ربما كان ذلك مشابها لما كان عليه حال أوروبا قبل الحرب العالمية الأولى، يحكي وثائقي أبو كاليبس الحرب العالمية الأولى في أولى حلقاته في مقدمتها حال أوروبا قبل الحرب، فيقول: كان الناس يشعرون بالأمان فقد مر نصف قرن على آخر حرب أوروبية، وكان الأغنياء يستمتعون بصيف عام 1914، وكانت المسارح والمتاحف والمكتبات منتشرة في فينا، كانت أوروبا غنية مزدهرة جميلة وكانت أكثر ثقة في مستقبل أفضل، إنها الحياة الرغيدة في مطلع القرن العشرين.

ولكن لن يدوم الأمر طويلا؛ صار العمال يعملون ضعفي ساعات العمل وكانوا يحصلون على نصف ما كانوا يحصلون عليه، وكانت أجور النساء تبلغ نصف أجور الاستعباد هذه، ونظريا فإن الأطفال دون سن الثانية عشرة لن يعملوا في المناجم.

تعليق: الحياة الرغيدة حياة اللهو والمرح هي ما قاد للانهيار، فلكي تجد أجرك لابد أن تعمل، بل لكي تقوم الدولة لابد من العمل الذي هو أصلها وأساسها.

والحرب التي قامت بسبب الاضطرابات الأوروبية ربما كانت تأويلا مناسبا للآية الأخيرة التي يقول فيها الله تعالى: "أفأمنوا مكر الله..."، فالله قد يُقَدِّر على السفهاءِ السوءَ، وفي حالتنا هذه هي الحرب، ويؤهل لذلك شدة اضطراب الأوضاع التي تُقَرِّب من الكارثة.

ثانيا: المشروع الحضاري في الصعيد

تحاول الدولة أن تفتح آفاقا جديدة في الصعيد عن طريق بناء المدن الجديدة، والتي تخرج الناس من الوادي الضيق، هذه المدن الجديدة تتضمن كافة الخدمات التعليمية والصحية والترفيهية والصناعية..

والخدمة الترفيهية الناس في حاجة لها، ومن أمثلتها؛ القراءة، وممارسة الهوايات والرياضات، والسفر، والمتنفسات البيئية كالحدائق العامة، ومناطق التنزه كالشوارع التجارية. ولقد ذكرنا ذلك لننوه على أهميته، ونمنع الفهم الخاطئ.

يقول المتخصصون: المدن تتنوع فيها الأنشطة، ويكثر فيها الابتكار والاستثمار، لذلك فهي تعد بيئة الاقتصاد الأنشط والأكثر مساهمة؛

عن طريق تركيز عوامل الإنتاج (الأرض، والأيدي العاملة، ورؤوس الأموال)، تُعد المدن المنتج أو المسبب الأساسي للثورة الاقتصادية؛ حيث تدر أكثر من سبعين بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، تلك المدن لها أهميتها بوصفها معمل للابتكار ومنطقة جذب للاستثمار، ومصدر لخلق فرص العمل.

ويعتمد سكان المدن على نشاطات مختلفة في معاشهم وتكثر فيها التجارة والخدمات. بعض المدن قد تعتمد على مصدر وحيد أو أساسي للاقتصاد كالنفط مثلا، إلا أن السكان غالبا ما يمارسون مختلف النشاطات الاقتصادية كالتجارة والصناعة والحرف والبناء والمهن المتخصصة.

وهذا ما تحدث عنه وزير الإسكان المصري أثناء أسبوع الصعيد: فالناس في الصعيد يتواجد معظمها في الريف، والذي يتميز بالفقر، وربما هذا ما يؤدي لهجرة أبناءه، ولمواجهة الفقر والهجرة تحاول الحكومة إيجاد مجتمعات حضرية تتواجد فيها الأنشطة الاقتصادية المختلفة، الأمر الذي يوفر فرص العمل ومزيد من الدخل لأبناء الصعيد.

ولكن الاقتصاد الحضري بحاجة لتمويل، هذا التمويل من المنتظر من القائمين عليه تحقيق الربح وتدوير المال في عجلة الاستثمار، ولذلك لابد من أن تكون هذه الاستثمارات حقيقية وتتلاءم مع الطبيعة الاقتصادية لمحافظات الصعيد، فمعنى أن الصعيد فقير أنه سوق ضعيف، والذي سيحقق الربح للاستثمار الحضري هو جدية المستثمر واستغلاله للفرص الحقيقية على الأرض، ومعاملته للسوق بشكل واقعي.

وعامةً لابد أن يبنى الاقتصاد الحضري على الجدية، فالابتكار وخلق فرص العمل لابد أن تكون محركا حقيقيا لتغيير الحياة، فالذي يعمل في المجال التجاري سيقدم أدوات الزراعة والورش، وسيقدم خدمات الطباعة...، بدلا من أن يقدم مراكز التسوق والتي لن تجد تمويلا من المستهلكين...

فإن أردنا أن نقيم اقتصادا حضريا فلنقمه على الجد والعمل، ولنبتعد عن كل أسباب الفشل.

وهذا ما تعظ به الآيات الكريمة، وما تقدمه تجربة الحرب العالمية من عبرة، أن نكون صالحين لا تمتد أيدينا إلى الحرام، وأن نصلح من أحوالنا كي تستقيم حياتنا، وهنا إذا انتشر الصلاح والعمل تحقق وعد الله تعالى بالبركة والنماء والازدهار.

والحكومة تقدم الفرصة وتعمل على خلقها، ويبقى أن الإنسان هو من يستثمرها ويعمل بها.

 

تعليقات