بسم الله الرحمن الرحيم
الابتكار
تختلف بيئة الابتكار عن بيئة الأعمال
التقليدية: فالأعمال التقليدية تتميز بالمهام المتكررة، وليست هناك فرصة لتعلم
الجديد باستمرار، وتعلم الجديد ينمي الشخصية، ويقرب العامل لعمله، وطبيعة العمل
متكرر المهام تضع الملل في قلب العامل وتنفره من عمله، وإن كانت هذه طبيعة العمل
شئنا أم أبينا، فلابد للرجل من موهبة تنمي شخصيته وترضيه عن نفسه، وهنا تلزم
الشجاعة لاقتحام مجال جديد يمثل بؤرة اجتذاب واهتمام لهذا الشخص.
المسألة ليست بعيدة عن الحياة، ولا تمثل
انفصال عن الواقع، فالشخص صاحب الموهبة يرجو النجاح والتقدم في مجال اهتمامه
الإضافي هذا، ويرجو كذلك أن تتحسن أوضاعه المعيشية والمالية بأن يصبح له دخل
إضافي.
وتلك الموهبة بجانب العمل لها شروط؛ فالرجل
الذي يعمل وقته مقيد، والموهبة التي يمارسها بابها مفتوح ساعة فراغه، فلابد له من
نظام منضبط كي يستطيع أن يوفر الفرصة لموهبته، ولابد له من استقلالية تجعله قادر
على مواجهة المهام بنفسه، ولديه القدرة على استيعاب المعرفة العلمية اللازمة،
ولابد أن يكون متصفا بالأمانة فلا يقوم عمله على سرقة أفكار من حوله.
يقول تعالى في سورة البقرة: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا
مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا
ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244) مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ
اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ
يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)".
لقد تحدثنا عن
تلك الآيات في مقالة بعنوان "الفرار من أرض الهم والكرب"، وقلنا
باختصار:
العمل المجهد
المستمر يؤدي للإصابة بمرض ارتفاع ضغط الدم ما قد يؤدي لأزمة قلبية، وهذا معنى
الآية الأولى أن الناس خرجت من أرضها لطول شقائهم فيها، وخوفا من شقائهم أن
يقتلهم، فأماتهم الله ثم أحياهم وفي ذلك شفاء الصدور، فكان الشكر بالحفاظ على النفس،
وعدم قتلها من وراء السعي على الدنيا.
وتتحدث الآيتان
التاليتان عمن يقاوم الوضع الصعب ويدافعه، فكأنه يقاتل في سبيل الله، وهو يريد
النجاح، ومع صعوبة الوضع تشتد الفتنة التي قد تغرر الرجل بالحرام، فبدل من أن يسعى
على نجاحه بمجهوده هو، إذ به يحتال على غيره ليسرق جهده، وهذا هو ختام الآية:
"واعلموا أن الله سميع عليم".
ولكن هناك تنويه
تحمله الآية الثالثة، وهو: رغم فقر الرجل في زمن الهم والكرب، هذا الذي افتقر لأنه
تمرد على الوضع، وأراد الحسنى، هذا الرجل الفقير مَنْ يظن به أنه يقوم بالواجب
تجاه الله والناس والبلاد زيادة على واجبه تجاه نفسه!! فذلك هو القرض الحسن الذي
يقرضه العبد لله سبحانه، والله تعالى يضاعفه له.
وحال حديثنا عن الذي يريد السلامة من الدنيا رغم كونه أحد العاملين
فيها، يسعى على صلاح شأنه، فالحديث عن الابتكار والاختراع هو أحد فروع هذا
الموضوع، فذلك مما يقيم الإنسان به حاله، ويحسّن به من أوضاعه.
ولكن القائل يقول: العمل الوظيفي ثابت الدخل، أي أن دخله لا ينقطع،
وتحسين الأوضاع المعيشية بممارسة الأعمال الحرة التي يحبها الشخص ويجيدها قد لا
تمثل دخلا ثابتا، وقد لا تظهر لها أرباح في المستقبل القريب، ولكن يمكن الإجابة
على ذلك بأن العمل الحر لا سقف للدخل الناتج عنه بينما الوظيفة لها سقف للدخل.
الابتكار في مصر
الاقتصاد في حاجة للابتكار لتعميق الصناعة
وتطوير الإنتاج، وتكوين قدرة على منافسة الشركات العالمية، فالابتكار لا ينفصل عن
التجارة، بل يهتم بما تحتاجه البضائع المصنعة أو الزراعية لتنافس محليا وإقليميا
وعالميا.
وقد خرج اهتمام الدولة بالابتكار كنتيجة من
حاجة الاقتصاد للتطوير، ومن نماذج هذا الاهتمام؛
مبادرة البنك المركزي: في توجه جديد نحو دعم الابتكار في مصر، أعلن البنك
المركزي المصري عن إطلاق صندوقًا برأسمال مليار جنيه لدعم وتمويل الابتكارات
والاختراعات المتميزة بالسوق المصرية.
بنك الابتكار المصري: بنك
الكتروني وطني يساهم في التنمية التكنولوجية القائمة على الابتكار والاختراع.
منصة إبداع مصر: إبداع مصر هي منصة إلكترونية للابتكار في مصر، توفر مصدرًا
للإلهام والتعليم والتواصل للمبتكرين ورواد الأعمال.
وممارسة الأعمال الحرة عموما هي شأن الرجال
الأقوياء، وهم أقوياء بالله، إذ أنهم توكلوا عليه سبحانه، فاعتمدوا عليه أن يسوق
لهم رزقهم، وكان إخلاصهم في عملهم وتفانيهم فيه مصدر ثقتهم التي تطمئنهم أن أمرهم
قويم مستقيم، فتوكلهم على الله وإتقانهم لعملهم ذاك عماد شأنهم.
الابتكار والعمل الحر يتميز العمال بهما
بالشجاعة، فلابد من الممارسة اليدوية حتى مع توقع الخطأ إلى حين الوصول للإتقان،
وكذلك يتميز كلا المجالين بدخول تجارب مميزة؛ فالعامل الحرفي المبدع المبتكر قد
يقوم بإنتاج البضاعة أو صيانتها أو تطويرها ثم اقتحام السوق التجاري لبيعها، الأمر
الذي يفتح أمامه مجال واسع كالبحر، ولا شك أن الحرفي كي يطور البضاعة ويحدث مثل
ذلك لابد أن يكون له جانب من الاهتمام العلمي يمكنه من الإبداع.
ومن معاني التقوى اتقاء المضرات والشرور،
فالسعي وراء الدنيا قد يصيب الرجل بالمرض وطول الشقاء، وتجنب ذلك هو من التقوى،
والإقبال على العمل هو من معاني الإحسان والشكر، والرجل يقبل على ما يحب، بل هو
يتفانى فيه، والله هو الرزاق والوكيل.
يقول تعالى في سورة آل عمران: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ
مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ
مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) ۞ قُلْ
أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ
جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ
مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)".
ولقد جمعت الآيتان بين حب الشهوات وبين التقوى، وأخبرت أن حب الشهوات أمر
مُزَيَّن، ليس بحاجة أساسية يفتقر إليها الناس، فالرجل سيكفيه المركب الواحد أو
السيارة الواحدة، وهو لن يغني عنه شيء امتلاك بضعة منها، وهو يأكل حتى يشبع، ولن
يزيد على ذلك، والاستزادة من الدنيا بغير مبرر مع إهلاك النفس عليها هو مرض قاتل،
لذلك كان الأولى هو اتباع طريق الأتقياء، وهو تجنب هذا الشر.
والإبداع هو ما تقوم عليه الحضارة، وما تتقوى
به البلاد، وهو ما أقام الحضارة الغربية التي غزت العالم واحتلته، فلابد من
الابتكار والإبداع لكي تقوى البلاد فتقف في وجه الأعداء، وتخدم قضاياها؛ من تطوير
المجالات الصحية والتعليمية والإنتاجية والتكنولوجية..
تعليقات
إرسال تعليق