حسبنا الله
ونعم الوكيل
الجزء الثالث
بسم الله
الرحمن الرحيم
في هذه
المقالات نتناول الآيات التي يقول الله تعالى فيها: "وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي
وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ
الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ ۖ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ
يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ۖ لَٰكِنِ
الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (38) وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ
الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
(39) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ
(40)". مريم
وقد أخبرنا أن
الله تعالى هو ربنا الذي خلقنا ورزقنا، وهو وحده مستحق العبادة، وكيف اختلفت أحزاب
النصارى من بعد المسيح عليه السلام، وكذلك تناولنا بالنقد فرقة فكرية مما ظهر في
عصرنا، كمثال لتفرق الأحزاب في عصرنا.
هذه الفرقة
التي منها من أنكر الدين كاملا، وهم الشيوعيون، ولقد تعرضت فكرة الشيوعية للانهدام
بسبب السقوط المدوي للاتحاد السوفيتي، وما رافقه من أخبار تقول بفشل هذه الفكرة.
ونحن هنا
نتوقف مع الآية التي يقول الله تعالى فيها: "أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ
يَوْمَ يَأْتُونَنَا ۖ لَٰكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (38)
مريم
ويرد في لسان
العرب: وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا
إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ:
لَمْ يَخْلِطُوا إِيمَانَهُمْ بِشِرْكٍ.
ورد في لسان
العرب: الظُّلْمُ: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. وَالظُّلْمُ:
الْمَيْلُ عَنِ الْقَصْدِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: الْزَمْ هَذَا الصَّوْبَ وَلَا
تَظْلِمْ عَنْهُ أَيْ لَا تَجُرْ عَنْهُ. وَأَصْلُ الظُّلْمِ الْجَوْرُ
وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ.
والظالمون
المقصودون في الآية الكريمة هم المبدلون، الذين يبدلون طاعة الله بطاعة الخلق،
وبدل أن يعطوا الناس حقوقهم يظلمونهم، فتذهب الحقوق لغير مستحقيها، وانتشار الظلم
سبب لسقوط الأمم، فالظلم سيقود لانتشار النفور من النظام الحاكم وبغض أتباعه،
وانهدام حب الوطن، وضياع الواجب.
والظالمون
الذين قدموا الخلق على الخالق وضيعوا الحقوق، هم سبب للخراب لا للتعمير، فبناء
الظالمين مائل، فهو مبني على غير أساس التقوى والإصلاح، فهم بلا مشورة صالحة، وبلا
عمالة ماهرة، وبلا علم وإتقان، وذلك كله ضاع، ففي الشيوعية قد تتقدم صفات التبعية
السياسية على مهارة الفرد في الاختيار للقيام بالمهمة.
ومن مظاهر هذا
الظلم المنافسة غير الشريفة، فقد يسعى أحد الأفراد بإحداث المكائد لغيره لتفوقه
فيخاف أن يحل محله أو أن يَتَأَمَّر عليه.
وهذا مما قد
تجده يختبئ في ستار الأمم التي تظهر عظيمة متجبرة، فإذا آن أوانها ظهر الضعف، وهذا
ما حدث للشيوعية فلم يستطع قائدها غورباتشوف تدارك سوء الأحوال.
وهذا ما تخبر
به الآية الكريمة: "أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ۖ
لَٰكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (38)"، فأخبار السقوط
ستنتشر وسيراها وسيسمعها القاصي والداني، وهذا هو مردهم إلى الله تعالى في الدنيا
قبل الآخرة، ويوم يردون أو يوم يسقطون فلا طريقة لتدارك الانهيار، كيف والظالمون
هم المسلطون!!
ومعنى قوله
تعالى "لَٰكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ" أي أنهم
في محاولة الإصلاح في ضلال، لا يدركون ما يصنعون، ويخربون ولا يصلحون.
ذلك بأن هذا
النظام لم يقم على أسس متينة من العدل والإصلاح، ففي الشيوعية قد يتقدم رجل الحزب
على الجميع، أو الموالي على الشخص العادي، وبذلك قد تنعدم الكفاءة في الوظيفة،
وهذا قد يظل مختبأ حتى يحل السقوط، فإن هم آن أوانهم لم تستطع مؤسساتهم النهوض،
ذلك أن الظلم كان أساسها، فكان هؤلاء الظالمين في ضلال مبين لا يدركون ما يفعلون،
وقد أخروا من يصلح، ومنعت الكفاءات.
يقول تعالى في
سورة آل عمران: "وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57)"،
فالله تعالى لا يظلم عنده أحد ويضاعف الثواب، فإن كان هناك من البشر الظالمون
الذين يأكلون الحقوق، إلا أن الله تعالى يوفِّي الذين آمنوا وعملوا الصالحات
أجورهم، وهذا ما يقود للأمل والعمل بإخلاص لله تعالى، فالرجل الذي يعمل ويبتغي
بعمله رضا الله تعالى، يأمل من الله الثواب في الدنيا والآخرة، يقول تعالى في سورة
البقرة: "وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً
وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)"، ويقول تعالى في
سورة آل عمران: "فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ
الْآخِرَةِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)".
تعليقات
إرسال تعليق