القائمة الرئيسية

الصفحات


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الشكر والكفر

الجزء الأول: الشكر

معنى الشكر؛ ورد في لسان العرب:

الشُّكْرُ: عِرْفَانُ الْإِحْسَانِ وَنَشْرُهُ، قلت: يشكر العبد نعمة الله تعالى باستثماره فيها لنفعه ولنفع غيره.

قَالَ أَبُو نُخَيْلَةَ:

شَكَرْتُكَ إِنَّ الشُّكْرَ حَبْلٌ مِنَ التُّقَى وَمَا كُلُّ مَنْ أَوْلَيْتَهُ نِعْمَةً يَقْضِي

قلت: الشكر من التقوى، فعمل العبد يقيه أمراض النفوس والقلوب ويبقيه نشيطا صحيحا، يقول تعالى في سورة النساء: "مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)"، ولقد سبق الشكر الإيمان في نفي العذاب، وهذا يقول بما للعمل من منافع.

وَالشَّكُورُ: مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ جَلَّ اسْمُهُ، مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَزْكُو عِنْدَهُ الْقَلِيلُ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ فَيُضَاعِفُ لَهُمُ الْجَزَاءَ، وَشُكْرُهُ لِعِبَادِهِ: مَغْفِرَتُهُ لَهُمْ.

قلت: يضاعف الله الجزاء للعباد على ما يقدموه ببركته ورضوانه سبحانه وتعالى، فتزكو أعمالهم وتزيد أرزاقهم، وهو القيوم الذي يقوم على ذلك، فكما أن العبد يشكر نعمة الله، فيسعى في نشرها، كذلك فإن الله يشكر له فيضاعف ويبارك.

وغفرانه ـ سبحانه وتعالى ـ لهم بأن يقوِّم نفوسهم وقلوبهم وما يدور بداخلهم، فيحسن إليهم ويهديهم ويصلح بالهم، فلا تبقى بداخلهم سيئة ولا يضرهم ذنب، وهو سبحانه القائم على ذلك، وهو سبحانه وحده من يغفر الذنوب، ولا يقوم سواه على ذلك، يقول تعالى: " وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)" آل عمران، ومحل شاهدنا قوله تعالى: "ومن يغفر الذنوب إلا الله".

فهو سبحانه الغفور الشكور.

ومما يرد في قاموس لسان العرب المعنى الحي لمادة شكر:

وَهُوَ مِنْ شَكَرَتِ الْإِبِلُ تَشْكُرُ إِذَا أَصَابَتْ مَرْعًى فَسَمِنَتْ عَلَيْهِ.

قلت: فالله سبحانه وتعالى تفضل علينا وأنعم، ثم أمرنا بأن نشكر نعمائه بأن نعمل بها، ولا نهملها، كمثل الإبل التي دخلت المرعى، فلم تضيع فرصتها في أن تسمن عليه.

وَالشَّكُورُ مِنَ الدَّوَابِّ: مَا يَكْفِيهِ الْعَلَفُ الْقَلِيلُ، وَقِيلَ: الشَّكُورُ مِنَ الدَّوَابِّ الَّذِي يَسْمَنُ عَلَى قِلَّةِ الْعَلَفِ كَأَنَّهُ يَشْكُرُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْإِحْسَانُ قَلِيلًا...

قلت: فالشكر أمر الله تعالى لكل الناس، فالفقير يشكر لله نعمه عليه كما يشكر الغني، ففضل الله تعالى غمر الخلائق، فالدواب الشكورة تسمن على قلة المرعى، فالفقير إذا شكر بارك الله له وزاده، والمال نعمة من النعم، ولكن نعم الله لا تُعَدّ ولا تحصى.

وَشُكْرُهُ ظُهُورُ نَمَائِهِ وَظُهُورُ الْعَلَفِ فِيهِ; قَالَ الْأَعْشَى:

وَلَا بُدَّ مِنْ غَزْوَةٍ فِي الرَّبِيعِ     حَجُونٍ تُكِلُّ الْوَقَاحَ الشَّكُورَا

ورد في معجم المعاني: سِرْنا شوطًا حَجُونًا: بعيدًا طويلاً، رجلٌ وقَاحُ الذَّنَب: صَبُورٌ على الرُّكوب.

فمعنى البيت: لا مفر من غزوة حين يحل فصل الربيع، مقصدها بعيد عنا، وهذا هو معنى حجون، وبسبب بعد المسير فإن الناقة التي تسمن على المرعى، وذلك دليل صحتها وعافيتها، وهذا معنى شكور في قوله "تكل الوقاح الشكورا"، وهي كذلك تحتمل المسير الطويل، وهذا معنى وقاح، ولكنها بسبب بعد المسير يصيبها التعب، رغم أن طعامها كثير على طريق رحلتها، فهي لا تجوع، وهذه مناسبة كون الرحلة في الربيع.

تابع لسان العرب: وَالشَّكِرَةُ وَالْمِشْكَارُ مِنَ الْحَلُوبَاتِ: الَّتِي تَغْزُرُ عَلَى قِلَّةِ الْحَظِّ مِنَ الْمَرْعَى. التَّهْذِيبُ: وَالشَّكِرَةُ مِنَ الْحَلَائِبِ الَّتِي تُصِيبُ حَظًّا مِنْ بَقْلٍ أَوْ مَرْعًى فَتَغْزُرُ عَلَيْهِ بَعْدَ قِلَّةِ لَبَنٍ.

قلت: والبقل الذي رَبَّ أي الذي نما وترعرع، وكأنه كان محفوظا مصاناً، والحلائب هي الإبل أو الأنعام التي يحلب الناس ألبانها، وهي شكورة أي يزداد لبنها حينما تتغذى.

فمعنى شكر نعماء الله تعالى هو نشرها والعمل على الاستفادة منها، فلا يتجمد الإنسان عند العطاء، ويكتفي بما أولاه الله تعالى، ولا تكون النعمة سببا في صمته وقلة نشاطه، بل يعمل بها وينشر الخير بين الناس، كما تعطي الإبل الشكورة اللبن حينما تأكل.

"ولئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لأليم"

يقول تعالى في سورة إبراهيم: "وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7)"

ومحل الشاهد الآية الثانية:

ورد في تفسير ابن كثير: وقوله: (وإذ تأذن ربكم) أي: آذنكم وأعلمكم بوعده لكم. وقوله (لئن شكرتم لأزيدنكم) أي: لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها، (ولئن كفرتم) أي: كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها، (إن عذابي لشديد) وذلك بسلبها عنهم، وعقابه إياهم على كفرها.

فشكر نعمة الله سبحانه وتعالى سبيل للنماء والبركة والشفاء والطمأنينة، وكفرها سبيل للعذاب.

تعليقات