القائمة الرئيسية

الصفحات


 

بسم الله الرحمن الرحيم

عبادة الشكر

لقد أولى الله سبحانه وتعالى الإنسان نعما لا تعد ولا تحصى، وأمره سبحانه أن يعمل بما آتاه ويجد ويجتهد، وهو في ذلك يسعى لا لصالحه وحده ولكن لصالح كل من حوله كذلك، فمن أسرار شكر نعماء الله تعالى الإخلاص لله في العمل بها، وانتظار الجزاء منه في الدنيا والآخرة.

ورد في تفسير القرطبي عند قوله تعالى في سورة البقرة: "ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52)"، ورد الآتي: وقال الجنيد: حقيقة الشكر العجز عن الشكر، وعنه قال: كنت بين يدي السري السقطي ألعب، وأنا ابن سبع سنين، وبين يديه جماعة يتكلمون في الشكر، فقال لي: يا غلام ما الشكر؟ فقلت ألا يعصى الله بنعمه، فقال لي: أخشى أن يكون حظك من الله لسانك، قال الجنيد: فلا أزال أبكي على هذه الكلمة التي قالها السري لي، وقال الشبلي: الشكر التواضع، والمحافظة على الحسنات، ومخالفة الشهوات، وبذل الطاعات، ومراقبة جبار الأرض والسماوات، وقال ذو النون المصري أبو الفيض: الشكر لمن فوقك بالطاعة، ولنظيرك بالمكافأة، ولمن دونك بالإحسان والإفضال.

وطاعة المولى سبحانه وتعالى ليست في إقامة الشعائر فحسب، بل ومنها القيام في جماعة المسلمين بالإصلاح، ومعاونة الراعي في حفظ الرعية والقيام بشأنها، والقيام بالواجب كأحسن ما يكون في نواحي العمل، وغير ذلك، ولقد قال الله تعالى في سورة الأنفال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)"، فخيانة الله سبحانه وتعالى تكون بترك نشر ما جاءت به الشريعة، وما لاتِّباعها من فوائد في صلاح الفرد والجماعة، وترك نشر ما جاء به الدين من خير للناس في نفوسهم وأهلهم وجماعتهم وما حولهم، وخيانة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو إمام المسلمين هي بترك النصح الأمين، وكذلك فإن من الرجال من يستعملهم الله سبحانه وتعالى في نصرة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم، فإن هو ترك هذا الاستعمال وأغلق الباب المفتوح، فكأنه خان الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم، وكذلك فالرجل أدرى بشأنه، وهو يدري أن الله ولاه واستأمنه، فإن هو ترك الأمانة فكأنه خانها.

وههنا فالإخلاص سرٌّ من أسرار الفلاح، فعلى الرجل ألا ينظر إلى المال الذي يكسبه من وراء تلك الأعمال التي فُتِح له بابها، ومن وراء تلك الأمانة التي تولاها، وهذا ما تخبر به الآية الثانية، أن أموالنا وأولادنا فتنة وأن الله عنده أجر عظيم، فالزواج أو حاجة الأولاد ما هما بدافع لخيانة الأمانة.

ما أشبه تلك الأمانة بتعريف الشكر الذي ورد عن الشبلي أعلاه في النقل من تفسير القرطبي إذ يقول: الشكر التواضع، والمحافظة على الحسنات، ومخالفة الشهوات، وبذل الطاعات، ومراقبة جبار الأرض والسماوات. فالذي يقوم بالأمانة يستحي أن يخبر أحد بما يجد، وهذا من التواضع، وهو كذلك في حذر أن يغفل هذه الأمانة، وهذه هي المحافظة على الحسنات، وهو لكي يقوم بهذه الأمانة على وجهها الأمثل، ويتوفر له الوقت لكي يقوم بها، فلابد له أن يخالف هواه وشهوته، وهذا هو قول الشبلي عن مخالفة الشهوات، ولكي يبقى هذا الشاكر الأمين نشطا قائما على واجبه لابد له أن يحافظ على الطاعات، فالذي لا يصلي هو في ضياع عن واجبه، وهذا قول الشبلي ببذل الطاعات، أما مراقبة جبار الأرض والسماوات، فهي لازمة للشاكر الذي لا يرقب عمله رقيب، ولا ينتظر أجرا من بشر، بل إن عمله وأمانته هي بينه وبين الله سبحانه وتعالى، لذا فلزاما عليه أن يراقب الله سبحانه وتعالى ويحسن عمله.

 

تعليقات