القائمة الرئيسية

الصفحات

 


بسم الله الرحمن الرحيم

العمل والنجاة

وخير ما يقي الإنسان هو عمله، إذ أن العمل يعطي للحياة معنى، ويشعر الإنسان بقيمته وأهميته، وهذا المبدأ لا يختفي من حياة الرجل وإن كان غنيا، والمال مهما زاد فهو قليل في ميزان الله تعالى إلا أن يكون سببا لخير الناس، الأمر الذي يعطيه قيمة، وكم من الأغنياء لا يساوون شيئا لأنهم تركوا العمل وركنوا لما لديهم، فكل إنسان لابد له من عمل يرى به أنه يقدِّم خدمة للناس في طاعة الله تعالى.

يقول تعالى في سورة الليل: "وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى، وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ". ويقول تعالى في سورة العلق: "كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى".

ورد في تفسير الطبري عن قوله تعالى: "وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى"؛ وكذّب الكافر بموعود الله الحسن، وقال آخرون: بل معنى ذلك: وكذّب بالجنة. ومعنى ذلك أنه استغنى بماله عن الطاعات.

ورد في تفسير ابن كثير: "فسنيسره للعسرى" أي: لطريق الشر. ويدل ذلك على أن السعادة ليست في الغنى، وعلى الإنسان أن يتبع الطريق الحق ليسعد في الدنيا والآخرة.

والآيات الكريمة من سورة الليل تقول بأن المال قد يكون سببا للشقاء بدل أن يكون سببا للسعادة، وذلك لأسباب كمثل أن صاحبه لا يؤدي حق الله تعالى فيه فيبخل، وهو كذلك يستغني بماله فلا يقيم الطاعات، ويظن أن المال سيوفِّر له السعادة، وهو لا يخلص العمل لله، فلا يبتغي من وراء الإخلاص والعمل الجنة، فهو مكذِّب بموعود الله الحسن، أو هو مكذب بالجنة.

ومثل هؤلاء الذين يتركون الإيمان والعمل هم في عسْرٍ رغم كثرة المال، ولا ناصر لهم من دون الله يخرجهم من العسر الذي قضاه الله عليهم، وفي النهاية يهلكون، وقل يهلكون بما هم فيه من عسر ـ أو إن شئت سمِّه بؤسا، ولا ينجيهم مالهم، فبضاعة السعادة وبرد الشفاء لا يباعا في الأسواق.

وَلَستُ أَرى السَعادَةَ جَمعَ مالٍ   وَلَكِنَّ التَقيَّ هُوَ السَعيدُ

وفي ذلك يرد حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليخبر بمثل معنى هذا البيت، فعن أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَتْ: اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَيْلَةً فَزِعًا يَقُولُ: "سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْخَزَائِنِ؟ وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنْ الْفِتَنِ؟ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ ـ يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ ـ لِكَيْ يُصَلِّينَ، رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ". صحيح البخاري» كتاب الفتن» باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه، وكذلك ورد في صحيح البخاري» كتاب العلم» باب العلم والعظة بالليل

ورد في فتح الباري كتاب العلم هذا الشرح: وَعَبَّرَ عَنِ الرَّحْمَةِ بِالْخَزَائِنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: "خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ"، وَعَنِ الْعَذَابِ بِالْفِتَنِ لِأَنَّهَا أَسْبَابُهُ. وفتح الخزائن يدل على ما قد يعطيه الله تعالى لبعض عباده من زيادة الغنى، والغنى الواسع هو فتنة، قد تتسبب في الألم والعذاب بغير الطاعة والصلاح.

وفتح الخزائن مقرون بالفتن، فالذي يفتح عليه باب الثروة والغنى هو في فتنة وابتلاء، فعليه ألا يسرف، وعليه ألا يترك العمل والشكر والإحسان، فإن هو أسرف وترك العمل والشكر والإحسان، كان ماله سببا في عذابه، ويروي الإمام أحمد في الزهد عن سفيان قال: كان عيسى ابن مريم يقول: حب الدنيا أصل كل خطيئة والمال فيه داء كثير، قالوا: وما داؤه؟ قال: لا يسلم صاحبه من الفخر والخيلاء، قالوا: فإن سلم، قال: شغله إصلاحه عن ذكر الله تعالى. والانشغال بالمال عن ذكر الله تعالى سبب في بؤس الحياة، وسبب للفتنة والعذاب.

وكذلك فإن مجرد جمع المال لا يثيب الرجل عند الله تعالى، فعليه أن يقوم بالطاعات ويتصدق، فإن هو لم يفعل ذلك كان كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كاسٍ في الدنيا عارٍي يوم القيامة.

وهناك نجاة لمن فتحت عليه الخزن، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ؛ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَآخَرُ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا". صحيح البخاري» كتاب الأحكام» باب أجر من قضى بالحكمة، 6722

فنجاة صاحب المال وفوزه هو أن ينفقه في الخير.

 

تعليقات