بسم الله الرحمن الرحيم
السمع والبصيرة الجزء الرابع
كلمات مثمرة عن البصر والبصيرة
البصر حاسة تشغل الجزء الأكبر
من إدراك الإنسان، وهو أقوى الحواس، فرؤية المبصر للسماء ليست كسماع المكفوف عنها،
وهو لم يبصرها في حياته قط، أو كما يقول الشاعر على لسان مكفوف:
يا أمــي ما شكل
السما كيف الكواكب والقمر
بجمالـها
تتحدثـــــــــون ولا أدرى لـــــــها
أثر
هل هذه
الدنيـــــــا ظلام في ظلام مستـــــــمر
الله يلطف بـي ويصرف
ما ألاقـــــــى من كـدر
فمن أبصر أمرا ليس كمن سمع عنه...
والبصيرة تخبر المؤمن أن الله لن يضيع الخير الذي فينا والذي بيننا،
ولن يترك الظالم دون عقاب، حينها يوقن بالآخرة والجنة والنار، وهذه هي عين القلب
التي تؤثر فيه بعمق، فالبصيرة كلمة مشتقة من البصر، فالبصر أقوى الحواس، وكذلك
البصيرة عميقة التأثير.
فالبصيرة تؤثر في الإنسان، فتملأ قلبه نورا يرشده لمواطن الخير،
فيسعى إليه، ويمد يده ليناله، كمثل المغفرة والرحمة والسلام، ويأخذ الإنسان كل ذلك
بطاعة الله سبحانه وتعالى، وتحذره بصيرته من مواطن الشر من فتن وأهواء وشهوات،
فيدري رجسه وضرره، فيبتعد عنه لا يقربه.
يقول تعالى: "هَٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ
يُوقِنُونَ (20)"الجاثية. وفي سورة الجاثية آيات كونية: ومنها قول الله تعالى: "الله
الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون
(12)".
وتلفت الآية انتباهنا لحكمة
خفية وهي: أن البحر الهادئ كان من الممكن أن يكون عاصفا في كل وقت، فلولم يسخره
الله تعالى لنا فيهدأ لم تجر فيه سفينة، وكذلك هذه البحار التي تفصل بين البلاد
ليست أخاديد يصعب عبورها، بل هي طريقة اتصال تحمل من البضائع مالا يحمل في البر،
وتنقل السفن المواد الخام ومدخلات الإنتاج ما يفتح مجالات العمل، وهي لا تنقل
البضائع الاستهلاكية فقط، بل تنقل الآلات كذلك، وكل هذا يفيد العامل ويفتح الآفاق
أمامه، وهذا معنى قوله تعالى: "ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون".
ومن هذه البصائر التي وردت في سورة الجاثية قول الله تعالى: "قُل
لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ
لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)"، وأيام الله هي أيام
نصرته للمؤمنين حينما يتكالب عليهم الأعداء، أو وصله تعالى لهم حينما يضيق بهم
الحال، يقول تعالى في سورة إبراهيم: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ
بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ
وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ
شَكُورٍ (5)"، فلقد كان بنو إسرائيل في مصر يذيقهم فرعون العذاب، فأمر الله
تعالى نبيه موسى ـ عليه السلام ـ أن يذكرهم بأيام الله، أيام نصرته لعباده بنور
الإيمان وسيف الحق.
والذين لا يرجون أيام الله هم
الذين لا يتحملون تراجع الخطى على طريق الحق، فيصيبهم اليأس، ويأمر الله تعالى
المؤمنين ألا يصدوا هؤلاء عن اللحاق بهم، لتقوى الشوكة وينهدم ما ينهدم من شر
ويقام الحق، ويجزي الله قوما بما كانوا يكسبون بأن يضيعوا مع ما هم فيه من باطل
شغلوا حياتهم به.
ويأتي ذكر الآية التي ذكرناها
في سورة الجاثية التي يقول الله تعالى فيها: "هَٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى
وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20)"، فمعنى أن هذه بصائر للناس أي طمأنة
وسلام لقلوبهم، فحال المهتدي أنه في سلام، وحال الضال أنه تائه متخبط في قلق وهمّ.
ومعنى هدى ورحمة لقوم يوقنون
أن هذه الآيات تشفي صدور الموقنين مما قد يلاقونه من بلايا وكروب، لا يدركونها
تمام الإدراك، فتأتي الآيات لتظهرها لهم وتخبرهم بحكمة الله تعالى المختفية فيها،
فيهديهم الله تعالى ويرحمهم بكلمات تلك الآيات.
وهذا من فضل الله ورحمته،
يقول تعالى: "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ
فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58)"يونس.
تعليقات
إرسال تعليق