بسم الله الرحمن الرحيم
السمع
والبصيرة
الجزء الثاني: السمع
السمع طريق العلم: السمع هو طريق
العقل، هو الوسيلة التي يصل بها الكلام إلى الإنسان، والكلام هو صفة إنسانية تحمل
كل ما في حياة الناس، لذا فالعلم يتناوله المتعلم سماعا، فلابد للتواصل لنقل
المعارف، ولولا التواصل لظل الإنسان الأصم بلا كثير من الخبرات، لذا جعل الله
العقل قبل البصر في طرائق التعلم، يقول تعالى: "وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ
بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ
وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" النحل:78، فقد أخرج
الله الإنسان لا يعلم شيء، وليتعلم فقد أعطاه الله وسائل أولها السمع.
فالسمع هو الطريقة التي يتحصل بها
الطالب على العلم، فلكي يدرك المتعلم ما في الكتب لابد أن يستمع لمن يعلمه.
قيل: والإنسان يستمد معلوماته من
خلال حواسه بهذا الترتيب من الأدنى إلى الأعلى، وهي؛ التذوق والشم واللمس والبصر
والسمع، ومعنى ذلك أن المعلومات التي يكتسبها عن طريق السمع أكثر من التي يكتسبها
عن طريق البصر، وقد أكد الباحثون على أن الإنسان يسمع أكثر مما يرى بمراحل كثيرة، وهذا
يؤكد على أهمية حاسة السمع وأنها تسبق حاسة البصر في الحصول على المعرفة.
السمع هو ما يعقل عن القرآن؛
يقول تعالى: "وَإِذْ أَخَذْنَا
مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ
وَاسْمَعُوا ۖ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ
الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ۚ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن
كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (93)" البقرة، ومحل شاهدنا هو أمر الله تعالى لبني
إسرائيل أن يأخذوا الكتاب بقوة، فيتناولونه بالسماع والقراءة والحفظ، بل يتأملوه ويتدبروه
ويتفكروا في آياته، ويدرسوا ما ذكر فيه مقارنين كلماته بالحقائق التي تصفها في الحياة وفي الطبيعة،
حينها يعلمونه علما سلسا منضبطا، وهذا من أخذ الكتاب بقوة، والسماع يعني أن
يكون الكتاب ملازما لهم في حياتهم عسى أن يرحموا به، حينها يقع في القلوب الخشوع،
فتتغير القلوب من الهمّ إلى التقوى، أو من الخطأ إلى الطاعة.
يقول تعالى في سورة الأعراف: "وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ
فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)"، فإن الرجل
الذي يسمع القرآن قد يجد آية قد وافقت شيئا في صدره، فتعلم منها ما تسبب في رحمته
من قلق أو همّ، وهذا من الرحمة، أو قد نبهته على سوء فعله، فخشع وأطاع.
وأخذ الكتاب بقوة يعني التوقف عند
معانيه، ليس معاني الآيات وحدها بل العبور من الآية إلى مجموعة الآيات التي تتحدث
عن موضوع بعينه، ومعرفة مناسبة اللفظ للموضع الذي وضع فيه، وإدراك المغزى من
تشبيهاته ومجازاته التي تعبر عن صفات الناس في الإيمان والكفر، وفي الهدى
والفسق...
والفهم مهم للحفظ، إذ أنه ييسّر
الحفظ، ومثل ذلك أن الذي يعي الآيات الطويلة من السهل عليه تذكرها، ولقد وجد الباحثون أن المعلومات منظمة في
الذاكرة خلال مجموعات مترابطة.
فالفهم هو السبيل لربط المعلومات، فمن غيره لا تترابط الجمل
والعبارات، وبدونه يسهل النسيان، والفهم سيكوِّن أشجارا ذهنية تساعد
على الاستبقاء في الذاكرة.
وذلك يعطي القدرة على تذكر مجموعة
الآيات المتتالية بترتيبها الصحيح.
فالفهم مهم لبقاء المعلومات في
الذاكرة، ولذا قال الإمام على ابن أبى طالب ـ رضى الله عنه: تذاكروا هذا الحديث
إلا تعقلوا يدرس. يقصد حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم، إن لم يعِهِ الرجل وإن لم
يدرك مغزاه يدرس أي يزول ويذهب أثره.
ومن أمثلة الآيات التي ذكر فيها
السمع قوله تعالى: "وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ
الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ
(65)" النحل، أي أن الله أنزل المطر من السماء، فترى الأرض الجرداء الميتة أصبحت
خضراء حية، وإن الذي يستطيع أن يسمع فيعقل يعلم من وراء ذلك عظة وعبرة، هي أن الله
الذي أحيا هذه الأرض الميتة، فأنبت فيها الشجر بورقه وفروعه وزهره وثمره، والنبت
بحبه، وما شاء من غير ذلك، لهو قادر على أن يحييَ الخلق بعد أن فنوا وصاروا ترابا
كما قال تعالى في موضع آخر: "يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ
الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ وَكَذَٰلِكَ
تُخْرَجُونَ (19)" الروم. فكما أحيا الله الأرض بعد موتها فأنبت فيها الزرع
يخرجنا يوم القيامة.
وانظر لغرابة التشابه بين إحياء
الأرض وإحياء الموتى؛ فإحياء الأرض بالمطر، وكذلك يكون إحياء الموتى يوم النشر،
فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه
وسلم: "ما بين النفختين أربعون"، قالوا: يا أبا هريرة أربعون
يوما؟ قال: أبيت. قالوا: أربعون شهرا؟ قال: أبيت. قالوا: أربعون سنة. قال: أبيت.
ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل. قال: وليس من الإنسان شيء إلا
يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة. صحيح مسلم » كتاب الفتن وأشراط
الساعة » باب ما بين النفختين
تعليقات
إرسال تعليق