القائمة الرئيسية

الصفحات

السمع والبصيرة الجزء الأول: بين السمع والبصيرة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

السمع والبصيرة

الجزء الأول: بين السمع والبصيرة

يقول تعالى: "وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100 (الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)" الكهف.

وفي الآية شاهدان اثنان، وهما:

أولا: قوله تعالى: "الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكرى"، فالعين بصرها قد يخترق الظاهر إلى معاني العمق، من دلالات على الخالق في خلقه، وعلامات على صفاته تتبدى في هذا الخلق.

وإن الذي لا يستطيع أن ينظر إلى آيات المولى سبحانه وتعالى فإن بصره في غطاء، لا يرى به حقيقة، وخُصَّت الذكرى بالعين لأن البصر أشد الحواس أثرا، وهذا يدل على أن أثر الذكرى في القلب شديد، فيقع الرجل في محبة ذكر الله تعالى، ويمضي مداوما عليه.

ويخبر سبحانه وتعالى أن الذكر موجود أمام العين ولكن العين هي التي في غطاء عنه؛ فآيات الله سبحانه وتعالى موجودة فينا وفيما حولنا، والذي لا يدرك وجود الخالق من تلك الآيات هو غائب عن الحقيقة، يرى ولكنه لا يبصر.

ومثل ذلك ما قاله تعالى: "ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين".  الزخرف: 36، عَشِيَ بَصَرُهُ: سَاءَ بِاللَّيْلِ أَوِ النَّهَارِ.

ومعنى ذلك التأكيد على أن وسيلة الذكر هي العين، ومعنى الذِّكْرِ: جَرْيُ الشَّيْءِ عَلَى لِسَانِكَ، وذكر المولى لا يجري على اللسان وحسب، بل إن له أثرا في القلب، وهو أثر حاصل من التدليل على الله وعظمته وقدرته من آياته، فإن كنا لا ندرك الله سبحانه وتعالى بأبصارنا، فنحن نستدل عليه سبحانه بآياته التي تملؤ القلوب بذكره.

ورد في صحيح مسلم عن عمر ابن الخطاب: في حديث جبريل الطويل وفيه: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، وفي هذا الحديث دلالة أخرى على أهمية الإدراك البصري للعبادة والذكر، فلكي يحسن الرجل عبادته لابد أن يتعلم عن الله سبحانه وتعالى، لكي يصل لمقام المشاهدة، واستحضار عظمة الله سبحانه وتعالى، فإذا قام لله مصليا أو حرك لسانه بالذكر كان لذلك أعظم الأثر في قلبه.

وهنا يأتي الرد على التساؤل: كيف تعبدون ما لا ترون؟! والإجابة أننا نتعلم عن الله سبحانه وتعالى من آياته، فنعبده كأننا نراه، لما لهذه الآيات من عظمة تدل على عظمة مبدعها.

وكذلك يرتبط الذكر بالبصر، إذ لابد من إدراك الآيات لحسن الأثر.

ومحل شاهدنا الثاني في قوله تعالى: "وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)" الكهف. هو قوله تعالى: "وكانوا لا يستطيعون سمعا".

والسمع خاصية الأذن، به تنقل المعاني والأفكار، وبه يهتدي الإنسان لحقائق قد تغيب عنه، قد لا يستطيع الكشف عنها، والحقائق التي تهدي الإنسان هي في الذي أنزله الله تعالى، فالذي يسمع ويعقل حين ينصت تأخذه آيات الدين القويم، فيزداد بها نورا، فيستطيع أن يجد طريقه في الحياة، ويرى سبيل النجاة، وينفي الشر عن نفسه، ويعمل على صالح الناس، بل وقد تتكون بصيرته في الاعتبار بالآيات الكونية، من تدبره لآيات القرآن الكريم...

وأي شيء يهدى الإنسان في طريقه! إن لم تكن له بصيرة يرى بها الآيات، أو لا يستطيع أن يسمع ويعقل عن دعوة الخير والرشاد، إذاً فأي مصير ينتظره! فلولا هدى الله تعالى لظل الإنسان في عمًى، يصطدم بما لا يراه في حياته، وسيبقى متألما من آثامه، وسيمسي ويصبح شاكيا همومه وغمومه وكرباته.

 

تعليقات