القائمة الرئيسية

الصفحات

الكهانة الجزء الثاني: مما ورد في الكهانة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الكهانة

الجزء الثاني: مما ورد في الكهانة

قال الحافظ ابن حجر: والكهانة - بفتح الكاف ويجوز كسرها - ادعاء علم الغيب كالإخبار بما سيقع في الأرض مع الاستناد إلى سبب، والأصل فيها استراق السمع من كلام الملائكة، فيلقيه في أذن الكاهن. والكاهن لفظ يطلق على العراف، والذي يضرب بالحصى، والمنجم، ويطلق على من يقوم بأمر آخر ويسعى في قضاء حوائجه. وقال في "المحكم": الكاهن القاضي بالغيب. وقال في "الجامع": العرب تسمي كل من أذن بشيء قبل وقوعه كاهنا. وقال الخطابي: الكهنة قوم لهم أذهان حادة ونفوس شريرة وطباع نارية، فألفتهم الشياطين لما بينهم من التناسب في هذه الأمور، وساعدتهم بكل ما تصل قدرتهم إليه. ورد في فتح الباري شرح صحيح البخاري في كتاب الطب، باب الكهانة.

ورد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ أَتَاهُ غَيْرَ مُصَدِّقٍ لَهُ، لَمْ يُقْبَلْ لَهُ صَلاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا". المعجم الأوسط للطبراني» بَابُ الْمِيمِ» مَنِ اسْمُهُ: مُحَمَّدٌ

وهذا الحديث واضح في ذم الكهانة، ولكن الكهانة قد لا تستند لما حرمه الله من الكفر واتباع الشياطين، فالكاهن قد يخبر بما سيقع مستقبلا بسبب من الأسباب، أو يأذن بحدوث شيء قبل وقوعه استنادا لسبب كذلك، كما ذكر الحافظ ابن حجر أعلاه، وهنا نذكر ما ورد عن أبي مسعود عقبة بن عمرو أنَّ رَسولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ـ نَهَى عن ثَمَنِ الكَلْبِ، ومَهْرِ البَغِيِّ، وحُلْوَانِ الكَاهِنِ. صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 2237

فمعنى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حرم حلوان الكاهن أنه لم يحرم ما قاله هذا الكاهن، ولا كيف توصل لما قاله، مادام هذا الكاهن لا يستعين بالشياطين التي تسترق السمع، ولا يأتي الكبائر، ولا يقوم بالمحرم.

أما الكهانة المذمومة هي التي وردت في الحديث الشريف: قالت عائشة: سأل أناس رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الكهان، فقال لهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: "ليسوا بشيء" قالوا: يا رسول الله فإنهم يحدثون أحيانا الشيء يكون حقا. قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: "تلك الكلمة من الجن يخطفها الجني، فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة". ورد عند صحيح مسلم» كتاب السلام» باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، صحيح البخاري» كِتَاب الْأَدَبِ» باب قَوْلِ الرَّجُلِ لِلشَّيْءِ لَيْسَ بِشَيْءٍ ...

سئل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الخط، فقال: "أنه كان نبي يخط، فمن وافق خطه فهو ذاك". صحيح مسلم» كتاب المساجد ومواضع الصلاة» باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته

وأما عن موضوع خط النبي فقد جاء معناه مفصلا في حاشية السيوطي والسندي على سنن النسائي وفيها: قال: كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك، قال النووي: اختلف العلماء في معناه، فالصحيح أن معناه من وافق خطه فهو مباح، ولا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافق فلا يباح، وقال عياض: معناه من وافق خطه فذاك الذي تجدون إصابته فيما يقول لا أنه أباح ذلك لفاعله، قال: ويحتمل أن هذا نسخ في شرعنا، وقال الخطابي: هذا الحديث يحتمل النهي عن هذا الخط؛ إذ كان علما لنبوة ذاك النبي، وقد انقطعت فنهينا عن تعاطي ذلك، قال النووي: فحصل من مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه الآن، وقال القرطبي: حكى مكي في تفسيره أنه روي أن هذا النبي كان يخط بأصبعه السبابة والوسطى في الرمل ثم يزجر، وعن ابن عباس يخط خطوطا معجلة لئلا يلحقها العدد ثم يرجع فيمحو على مهل خطين فإن بقي خطان فهي علامة النجح وإن بقي خط فهو علامة الخيبة. انتهى. شرح سنن النسائي - جلال الدين السيوطي - ج ٣ - الصفحة ١٦

حسابات الغيب هي ظنون تمكن من التصرف، كحسابات السياسة والتجارة وكافة الأعمال، وهذه ليس فيها أي تحريم، وقد أشرنا إلى العلم بالله الذي قد يصدم الناس، وما هو بكهانة ولكنه قرب، أما الكهانة المعروفة لدى العلماء بكل هذا الذم، فهي التي لم يقصدها شوقي، بل الرجل قصد العلم بالله وقضائه، ما قد يورثه الإيمان وحسن التفقه في الدين، وقد تجدهم قصدوا بالذم ما فيه موالاة للشياطين وإتيان للكبائر.

ذكر هذه الأحاديث يفيد الناس، يتعرفون على الصواب من الخطأ، يميزون بين أصحاب الحكمة ويعرفونهم من الدجالين، مع الأخذ في عين الاعتبار أن هذه الأمور صارت كثيرا ما نسمع عنها في أيامنا هذه.

تعليقات