القائمة الرئيسية

الصفحات

بسم الله الرحمن الرحيم

آيات الله في الإهلاك؛ هلاك عاد بريح صرصر عاتية

إن الله هو العليم الحكيم، المُقْتَدِر العظيم، ورغم أن التنزيل كلمات إلا أنها نزلت بالحق، هذا الحق المنزَّل الذي يزداد إدراكنا له يوما بعد يوم من أيام الزمان، مستمِّر العطاء، فنحن نرى ما قاله المولى جل وعلا في العلوم التي تدرس الكون من حولنا، حتى إن كان المولى تعالى أوردها في ذكره لهلاك الأقوام المتكبرة، ولقد يسَّر الله القرآن للذكر، فهل من مذَّكِر ....

من ذلك ما أخبر به المولى جل وعلا في القرآن عن إهلاك قوم عاد، فهو سبحانه يقول في سورة الحاقة: "وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)".

فهلاك عاد كان بريح صرصر، ومعنى صرصر كما يرد في معجم المعاني: صَرْصَرَ: صاح بصوت شديد متقطع. رِيحٌ صَرْصَرٌ: شديدةُ البرد، أو شديدةُ الصَّوْت. الصرَصَر: اسم صوت الصَّقْر؛ صوت صياح البازِيَ بشدة وتقطع. وهذه الريح الصرصر أي تحمل الصوت أو قل موجات الصوت القوية، وهذا الصوت قد يكون له تأثير على الكائنات الحية لما فيها من ميوعة، فتستمر في هزِّها أو قل ذبذبتها، فينفصل سائلها عن صلبها، فما الذي يبقى!! تبقى البشرة ولربما ازدادت موتا وصلابة ....

نسيج البشرة هو فرع من نسيج الظهارة، هذه الظهارة ورد عنها هي والبشرة: نسيج الظِّهَارَة نسيج يكسو سطحًا أو يبطِّن تجويفًا، توجد الظهارة في الطبقة الخارجية من الجسم (الجلد) وأيضا محيطاً بالتجاويف الداخلية للجسم كالأمعاء وغيرها، يتكون الجلد من خلايا ظهارية حرشفية مطبقة، تتميز ظهارة الجلد بأنها تحتوي على طبقة البشرة (هي أعلى الطبقات الموجودة في جسم الإنسان)، وتتميز خلايا طبقة البشرة بأنها مسطحة ميتة، والشاهد من هذا النقل هو وصف خلايا البشرة بأنها أظهر طبقة في الإنسان وأن خلاياها ميتة ....

فذبذبات الريح الصرصر المستمرة لن تؤثر فيها إلا بزيادة الموت، وهنا نستدل على معنى ما صاروا إليه بهذا العذاب وهو أنهم صاروا كأعجاز نخل خاوية؛ وأعْجازُ النَّخْل: أصُولُها، وخاوية بمعنى فارغة خالية، تقول خوِي المكانُ: خوَى، خلا مما كان فيه، فعندما تهلك النخلة تجد أن جزعها أو قل أصلها المتروك ينثني عليه غلافه الصلب، وقد تشقه يدك وتدفعه للداخل بسهولة حين دفعه ....

والرجل بعد تعرضه للريح الصرصر في تلك الأيام تقسو بشرته فقد تتحول للغلظة، فكما استدللنا عن البشرة ووصفناها فهي تزداد موتا أي تزداد قسوة، وما بداخله من مواد متميعة تنفصل ماؤها عن جزيئاتها الصلبة، فيهلك كل ما بداخل ذلك الرجل ويتدمر، وربما ما تبقى بداخله ركام صلب تغطيه المياه، وبعد جفاف المياه ربما كان أقرب تشبيه هو عَجُز النخلة الخاوي.  

والعاتية التي تعتدي ولا تتراجع، فهم مصدومون بها لا يدركون مهربا ولا تصرُّفا، فقد ورد: والعاتي: الشديد الدُّخُولِ في الفَساد المُتَمَرِّدُ الذي لا يقبلُ موعِظَة، وتَعَتَّى فلانٌ: لم يُطِع، وعَتا الشيخُ عُتِيّاً وعَتِيّاً، فتح العين: أَسَنَّ وكَبِرَ ووَلَّى. قلت الشيخ يكبر حتى لا يحتمل كلمة وإن كان قائلها لا يقصد غِلَظَاً أو إساءة، وهذا هو العتو أي الطغيان المخصوص بعدم التهاون أو التراجع.

وعن وصف الريح أنها سلطت عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما؛ فتلك المدة قد تكون اللازمة لإحداث الأثر الكافي الشامل، وورد في تفسير ابن كثير: "قال ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وعكرمة والثوري وغير واحد (حسوما) متتابعات، ورد في القاموس المحيط: حَسَمَهُ يَحْسِمُهُ فانْحَسَمَ: قَطَعَهُ فانْقَطَعَ، الحُسومُ: الشُّؤْمُ، والدُّؤُوبُ في العَمَل، وهذا كله يتلاءم، فلكي ينتهي الإنسان من عمله عليه أن يستمر عليه دَأَبا، وهنا يأتي معنى القطع بالوصول للنهاية والانتهاء من الأمر فقد ورد في نفس المصدر السابق: المَحْسومُ: مَنْ حُسِمَ رَضاعُه، والصَّبِيُّ السَّيِّئُ الغِذاءِ، فالرضاعة استمرت ثم قطعت، وكذلك الحسم في العمل أن يستمر لينتهي، وكذلك الأيام والليالي الحسوم التي أهلكت عاد؛ استمرت لتحدث الأثر وتنهي العمل، وربما كان هناك استدلال آخر يقول بأن الأنسجة وخلاياها مع استمرار السلاح الذي يهلكها لن يكون لها فرصة لإعادة النمو، فهذا يدل على أن الاستمرار والتتابع من عوامل سرعة إنزال العقاب وإحلال أثره، أو قل عامل حسم في الأمر.


هذا الشرح له برهان بالتجربة العلمية العملية فيما يدركه العلم اليوم ....

جسر اليونان الرابط بين ريون وأنتيريون

لقد عانى مهندسو جسر ريون أنتريون من الرمل في قاع البحر في منطقة بناء الجسر، فليس هناك أرضية صخرية صلبة لوضع الأساسات التي ستحمل الجسر.

والمهندسون عادة ما يقومون عادة بتفريغ الرمل للتخلص من الماء، أو بضغطه لخروج الماء منه، وذلك للتأثير السيء لخليط الرمل والماء حين وجود الزلازل، وهذا الخطر يعرف بسيلان الرمل، وهذا الخطر غير معروف كثيرا، فعند الاهتزازات الخفيفة تتحول الأرض الرطبة لسائل، فلماذا تتحول الأرض الرطبة إلى سائل؟

ولنتعرف على ذلك لابد من إجراء التجربة، وذلك بوضع صندوق به خليط الماء والرمل، والرمل كثير حتى أنه يظهر من السطح، ولكن يبدو كذلك تشبع الرمل بالماء، وستقوم بهزِّه آلة تولد ما يشبه الزلزال، ووقف مؤدي التجربة على لوح خشبي مسطح موضوع على سطح الماء والرمل، مؤديا دور الجسر، ولقد تحمله الخليط، ثم ابتدأت التجربة ....

فغاصت قدما المؤدي ووصلت المياه لساقه أو قل وصلت لمقدمة ساقه، وقال إن قدمَيه عالقتان في الرمل حين أراد الخروج، وتحول كل شيء من الحالة الصلبة إلى السائلة، وتحولت الرمال إلى رمال متحركة، وفسّر المهندس المتخصص بالأرضيات ذلك قائلا: "عندما تهتزّ حبيبات الرمل تتقلص المسافات بينها، ويصبح الماء بداخلها مضغوطا، وعند حدوث ذلك يغوص كل شيء عليها نحو الأسفل." فإعادة ترتيب الرمل وتقلص المسافات بين حبيبات الرمل أدّى لطرد المياه ....

في عام خمسة وتسعين ضربت هزة عنيفة ميناء كوبي في اليابان، وقُتِل أكثر من ستة آلاف شخص، بلغت قوة الضربة 7,20 ريختر، وكانت الأرض من الرمال الرطبة، عندما اهتز هذا الخليط وتعكّر كانت النتيجة سيلانا كارثيا، فلقد تحولت الأرض الصلبة لسائل. وأنا أستشهد بهذا المثال العلمي على الريح الصرصر المهلكة، فإنما الصوت ـ وصرير تلك الريح صوت ـ مكوّن من ذبذبات تشبه هزّات الزلازل، وجسم الإنسان يشبه خليط الماء والرمل، فهو من مادة ذائبة في الماء أو مادة متميعة، فكان إهلاكا مستمرا لفترة ما مناسبا لطبيعة الإنسان، وهذه هي الدلالة على علم سبق علوم البشر، سخرّه المولى تعالى ....

تعليقات

جدول المحتويات